تواجه الولايات المتحدة خطراً مريراً هذه الأيام يتمثل في التخلف عن سداد الديون الفيدرالية للمرة الأولى في التاريخ، إذ يتعين على الحكومة الأميركية والكونغرس التوافق معاً لرفع سقف الدين الأميركي خلال ثلاثة أسابيع من الآن، أي قبل الأول من شهر حزيران المقبل، وهو الموعد الذي حددته وزارة الخزانة هذا الأسبوع لدرء التخلف عن السداد الفيدرالي عندما تنفذ الإجراءات غير العادية التي اتخذتها الوزارة منذ كانون الثاني الماضي حينما وصل الدين إلى حده الأقصى وهو 31.4 تريليون دولار.
Advertisement
وحذر الخبراء والمشرعون من آثار كارثية على الاقتصاد الأميركي والعالمي إذا تخلفت الحكومة الفيدرالية عن السداد. فبينما يتوقع الخبراء أن تشهد الولايات المتحدة ركوداً في وقت لاحق من هذا العام، فإنهم يحذرون من أن التخلف عن السداد الفيدرالي من المحتمل أن يسرع هذا الجدول الزمني، مما يزيد من خطر حدوث تباطؤ حاد في الاقتصاد الأميركي. ويقول مارك غيرتلر أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك إن ذلك سيؤثر في الإقراض والاقتراض والأسواق المالية، وحينما يجتمع ضعف الاقتراض مع إنفاق أقل فهذا من شأنه أن يؤدي إلى الركود.
ومن المرجح أن تشهد الأمة الأميركية أسعار فائدة أعلى على ديونها في حال التخلف عن السداد، إذ سينظر إلى الولايات المتحدة على أنها مقترض أقل جدارة بالثقة، إذ تعتبر سندات الخزانة الأميركية حالياً من بين الأصول الأكثر أماناً في العالم، مما يمنح الحكومة سمعة باعتبارها مقترضاً موثوقاً به على الساحة العالمية، الأمر الذي يسمح للحكومة باقتراض مزيد من الأموال للوفاء بالتزاماتها المالية.
ومن المحتمل أن يتسبب التخلف عن السداد الفيدرالي في قيام الشركات بتسريح العمال بشكل جماعي، بسبب القلق بشأن الشكل الذي سيبدو عليه الاقتصاد خلال السنوات القليلة المقبلة، بحسب ما تقول ويندي إيدلبيرغ، الخبيرة في معهد "بروكينغز" في واشنطن. كما يمكن بشكل كبير أن يتسبب التخلف عن السداد في حدوث انهيار في الأسواق المالية مع انخفاض قيمة سندات الخزانة الأميركية التي تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات وهي ركيزة أساسية للنظام المالي العالمي، ما قد يتسبب في انهيارات للأسواق المالية حول العالم.
وقدم الجمهوريون والديمقراطيون أفكاراً حول كيفية معالجة عجز الموازنة في المستقبل، لكن كلا الجانبين كانا متباعدين في مقاربتهما، وانتهى الأمر باصطفاف غالبية الجمهوريين في مجلس النواب وراء مشروع قانون، وافق عليه مجلس النواب بصعوبة يوم الـ26 من نسيان الماضي، ووصفه الجمهوريون بأنه مكان لبداية جيدة في محادثات الحد من الديون بين الحزبين، إذ يضع حداً أقصى للإنفاق الحكومي عند مستويات السنة المالية 2022، ويستهدف الحد من نمو الإنفاق إلى واحد في المئة كل عام على مدى العقد المقبل.
وبحسب أستاذة إدارة الأعمال والقيادة في جامعة ديلاوير ويندي سميث، فإن بايدن ومكارثي يبدو أنهما يشنان حرباً سياسية حزبية بدلاً من تحمل مسؤوليتهما في قيادة البلاد، إذ إن بايدن لا يريد أن ينظر إليه على أنه يخضع لمطالب الجمهوريين ويقلل من المكاسب التشريعية الليبرالية التي تعهد بها قبل انتخابه. في حين أن مكارثي يحتاج إلى استرضاء حتى أكثر أعضاء حزبه تشدداً، وهو ما ظهر خلال تمرير مشروع القانون الذي دفع به في مجلس النواب ومرره بأغلبية ضئيلة، الأمر الذي يخاطر بالإبقاء على الأزمة ما لم يتوصل الطرفان إلى أرضية مشتركة ويقدمان تنازلات متوازنة.
هذا ويعتبر الباحثون أن نظرة "المدى القصير" هي لعنة تصيب السياسة الأميركية، حيث يواجه القادة ضغوطاً لإظهار نتائج فورية أمام الناخبين. ولهذا نرى أن لدى بايدن ومكارثي حوافز قوية للتركيز على تحقيق فوز قصير الأمد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس العام المقبل، غير أن التفكير بعيد المدى يمكن أن يساعد القادة الذين لديهم أجندات متنافسة.
وإذا أراد بايدن ومكارثي تجنب أزمة مالية وترك إرث دائم لهما، فسيستفيدان من التركيز على المدى الطويل الذي يمكن أن يساعد في العثور على نقاط توافق نحو الهدف المشترك طويل الأجل، بدلاً من التأكيد على الاختلافات المهمة حول كيفية الوصول إلى هدف كل منهما قصير الأجل.
وعلى رغم أن الحزبين السياسيين الرئيسين مستقطبان أكثر من أي وقت مضى، وتستمر الشكوك حول احتمالات تحقيق انفراجة بسرعة، إلا أن الأمر يتعلق بأكثر من سقف الدين، إذ تواجه الولايات المتحدة قائمة طويلة من المشكلات الكبيرة والصغيرة، من التضخم المرتفع والأزمة المصرفية إلى الحرب في أوكرانيا وتغير المناخ، يحتاج الأميركيون قادة يتعاملون مع هذه القضايا من خلال العمل معاً لتحقيق نتائج أكثر إبداعاً.
يلفت موقع "المصدر العربي" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره.